اقرأ في هذا الكتاب
كَانَ «سُلَيْمَانُ الْحَطَّابُ»: بَطَلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ يَعِيشُ فِي كُوخٍ صَغِيرٍ.
كَانَ يُحِيطُ بِكُوخِهِ الصَّغِيرِ مَرْجٌ نَضِيرٌ. كَانَ الْكُوخُ الصَّغِيرُ وَالْمَرْجُ النَّضِيرُ عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْ غَابَةٍ كَثِيفَةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالْأَشْجَارِ.
كَانَ «سُلَيْمَانُ الْحَطَّابُ» لَا يَمْلِكُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بَقَرَةً وَحِمَارًا، وَبِضْعَ وَزَّاتٍ وَبَطَّاتٍ، وَقَلِيلًا مِنَ الْخِرْفَانِ وَالنَّعْجَاتِ.
كَانَ الْحَطَّابُ وَزَوْجَتُهُ يَعِيشَانِ فِي هَنَاءٍ وَرَغَدٍ، لَا يُعَكِّرُ صَفْوَهُمَا أَحَدٌ.
بَعْدَ أَعْوَامٍ قَلِيلَةٍ، تَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ: جَفَّ مَاءُ النَّهْرِ. أَجْدَبَتِ الْحُقُولُ. تَعَرَّتِ الْأَشْجَارُ مِنَ الثِّمَارِ وَالْغُصُونِ. لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ نَبَاتٌ.
كَانَ سَبَبَ الْمَصَائِبِ وَمَصْدَرَ النَّكْبَاتِ، عِمْلَاقٌ جَبَّارٌ، هَائِلُ الحَجمِ طُوَّالٌ (مُفْرِطُ الطُّولِ)، يَجْمَعُ بَيْنَ الشَّرَاسَةِ وَالْقُوَّةِ.
وَفَدَ الْعِمْلَاقُ مِنَ الْغَابَةِ إِلَى الْقَرْيَةِ الْآمِنَةِ. أَقَامَ بِالْقَرْيَةِ عِدَّةَ أَشْهُرٍ جَلَبَ عَلَى الْقَرْيَةِ ضُرُوبًا مِنَ الشَّقَاءِ وَالْخَرَابِ. أَكَلَ الْعِمْلَاقُ كُلَّ مَا يَحْوِي الْمَرْجُ النَّضِيرُ، مِنْ نَبَاتٍ وَثَمَرٍ.
أَتَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَلَم يُبْقِ وَلَمْ يَذَرْ.
هَكَذَا اسْتَطَاعَ الْجَبَّارُ الشَّرِسُ أَنْ يُشْقِيَ الْبَلَدَ الْآمِنَ، وَيُنَغِّصَ عَلَى هَذِهِ الْأُسْرَةِ السَّعِيدَةِ حَيَاتَهَا، بَعْدَ أَنْ حَوَّلَ أَشْجَارَ الْقَرْيَةِ حَطَبًا، وَبَدَّلَهَا مِنْ رَخَائِهَا جَدْبًا، وَمِنْ أَمْنِهَا رُعْبًا.
لَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ.
إِنَّ الْبِلَادَ تَسْعَدُ وَتَشْقَى، كَمَا يَسْعَدُ سَاكِنُوهَا وَيَشْقَوْنَ.
كَذَلِكَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ: مِنْهُمْ مَنْ يَجْلِبُ السَّعَادَةَ حَيْثُمَا حَلَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْشُرُ الْبُؤْسَ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَيُشِيعُ الْفَاقَةَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَجُرُّ عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا كَوَارِثَ الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ، وَفَوَاجِعَ التَّعَاسَةِ وَالشَّقَاءِ.
معاينة الكتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق